د. زويل في دار الأوبرا: التعليم قضية أمن قومي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] احمد زويل
بعد تصفيق حاد بدأ د. أحمد زويل ، العالم المصري حائز جائزة نوبل ، محاضرته السنوية في دار الأوبرا المصرية ، والتي خصها هذا العام للحديث عن التعليم في الحاضر والمستقبل ، واحتشد الحضور الكبير بمسرح الأوبرا وفي مقدمتهم عدد من الوزراء المصريين ، في حين كان د. زويل يؤكد أن التعليم ركيزة النهضة لأي مجتمع ، وأنه قرأ كتابا أمريكيا بعنوان " أمة في خطر " يؤكد أن سؤال " كيف سيكون التعليم في القرن الـ 21" هو أبرز التحديات التي تواجه البيت الأبيض في إدارة الرئيس أوباما .
وقد أدار اللقاء الكاتب الصحفي أسامة هيكل ، والذي قدم بطاقة تعارف سريعة بالعالم الكبير ، وهو من مواليد مدينة دسوق ، وتلقى تعليمه بمدارس دمنهور ، ثم درس العلوم بجامعة الإسكندرية ، ونال الماجستير وبعدها سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليبدأ مشواره البحثي ، والذي أثمر نتائج مثمرة تستفيد منها البشرية كلها، في الوقت الذي عرفت الجوائز العالمية طريقه وسعت له وأبرزها جائزة نوبل ، إضافة لحصوله على 50 دكتوراة فخرية من أعرق جامعات العالم ، ووسمه الرئيس مبارك قلادة النيل العظمى .
وفي محاضرته ، فرق د. زويل بين معنى التعليم الأكاديمي ؛ حيث اكتساب الخبرة الأولية ذات الأثر الفعال على العقل والشخصية والمهارات المهنية للإنسان ، وبين التعليم بمعناه الشامل للمجتمع والذي يكتسب فيه المعرفة وينقلها عن الشعوب الأخرى ، كما تنتقل القيم والخبرات من جيل لجيل في نفس المجتمع .
وأشار إلى أن التعليم بات من المكونات الأساسية لحقوق الإنسان وهو ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة بعد الحق في الحياة ، وقد تمكنت دولا عديدة من حجز مكانها على الخريطة العالمية عبر الاهتمام بالتعليم وبعدها حققت طفرة اقتصادية وثقافية وسياسية شاملة .
وفي كل حضارة متقدمة كان التعليم هو الأساس ؛ فنرى قدماء المصريين تفوقوا في شتى مجالات الحياة عبر التعليم وكانوا اول من وضع التعريف الصحيح للزمن والتقويم الشمسي، ومؤخرا قدمت ورقة علمية في الأكاديمية الفرنسية عن العبقرية المصرية القديمة التي توصلت لاختراعات مذهلة أبهرت العالم.
كما كانت الحضارة العربية صاحبة فضل علمي على أوروبا ، وفي فصل من أحد مؤلفاتي - يواصل د. زويل - ذكرت اسهامات الحسن بن الهيثم البارزة في مجال البصريات حيث كان له الفضل في اكتشاف التصوير المجسم، أيضا النهضة المصرية في عصر محمد علي قامت في جزء كبير منها على البعثات التي كان يرسلها إلى فرنسا وأوروبا الأمر الذي ساهم في صنع نهضة حقيقية.
ثم عرج زويل للحديث عن التعليم بعد ثورة يوليو1952 وكيف استفاد منه هو وجيله بالإضافة إلى الحياة المصرية الثقافية التي ازدهرت في هذه الأوقات.
مشكلات التعليم
أوضح زويل ان أولى مشكلات التعليم تتلخص في قلة الميزانية المرصودة وخاصة للمرحلة الأساسية قائلا: لدينا حوالي 15 مليون طالب في التعليم الإبتدائي بالمدارس الحكومية بما فيهم الأزهر، وتنفق الدولة على التعليم 24 مليار جنيه "حوالي 250 دولار للفرد في السنة" وإسرائيل مثلا تصرف 1500 دولار لتعليم الفرد!.
ونظرا لتدني مستوى التعليم تنفق الأسرة المصرية على الدروس الخصوصية حوالي 15 مليار جنيه وهي مبالغ ضخمة.
وفي البحث العلمي الشواهد تدل على أن مشاركة الأبحاث العلمية في بناء الاقتصاد الحديث محدودة، والمشاركة المصرية والعربية البحثية على الصعيد العالمي محدودة جدا، ولهذا لا نحتل أي ترتيب في أول 500 جامعة على مستوى العالم.
مشاركة البحث العلمي في الناتج القومي المصري ضعيف – يؤكد زويل – في حين أن البحث العلمي في إسرائيل يشارك تقريبا بنسبة 80% من الناتج القومي لها.
يتكون التعليم من ثلاثة عناصر : المدرسة، المنهج والمدرس ، فإذا نظرنا للمدارس سنجد بنيتها ضعيفة وتستوعب أعدادا تفوق ما يمكنها استيعابه حيث يصل عدد الطلاب أحيانا في الفصل الواحد إلى 60 طالبا .
وإذا نظرنا إلى المناهج نرى أن الطريقة الغالبة عليها هي التلقين والعالم تغير من حولنا، أيضا الموضوعات التي تشتمل عليها هذه المناهج لا تواكب العصر فالعالم يتحدث عن الفضاء وعلومه وعن الذرة وهي علوم لا يصلح معها التلقين.
والعنصر الثالث وهو المدرس يعاني من مشكلات اجتماعية كثيرة بداية من ضعف راتبه الذي يجعله يتجه إلى الدروس الخصوصية، كما أنه بفضل ذلك تخلى عن دوره التربوي الذي من المفترض أن يؤثر في نفوس النشء، كما أن المدرس في مصر لا يخضع لنظم تقييمية محددة حتى يكافأ على أدائه ويعاقب إذا قصر.
ومن المشكلات التي رصدها د.زويل أيضا تعدد التعليم في مصر ما بين خاص وحكومي وأزهري الأمر الذي يتسبب في تشتيت المنظومة التعليمية.
مضيفا : أعمل في أمريكا بجامعة خاصة لكنها لا تهدف إلى الربح فحتى الأموال التي تحصل عليها جراء اكتشاف جديد أو براءة اختارع توجه لصالح البحث العلمي، فأنا لست ضد التعليم الخاص ولكني ضد التجارة في التعليم.
وهناك أمورا عامة ولكنها تؤثر في منظومة التعليم لدينا ومنها ضعف الإعلام العلمي في الجرائد والمجلات والإعلام التليفزيوني ؛ فعدد الفضائيات الآن أكثر من عدد المؤسسات العلمية، كما أن ثقافتنا العربية أصابها الهزال والضعف، وذلك بسبب مدارس اللغات التي انتشرت في مصر وكانها تخلق ثقافة مغايرة داخل المجتمع،ووجودها ليس هو المشكلة وإنما عدم اهتمامها بتدريس اللغة العربية ضمن مناهجها ، ومن مشكلات الثقافة سيادة تيار من الجمود العقلي والإرهاب الفكري بعيدا عن الدور الحيوي للقيم الدينية الحقيقية .
روشتة علاج
جهود النهضة في راي د. زويل تبدأ من القضاء على الأمية عبر مشروع قومي شامل حيث تبلغ نسبتها في العالم العربي تقريبا 40% ، بالإضافة إلى زيادة ميزانية التعليم لتواكب العصر وتغيير شامل في بنية المدارس وتغيير طرق التدريس والاعتناء بالمعلم ووضعه الاجتماعي.
وإدراك الطلاب أن العلم هو حقائق وليس "فهلوة" وأن نعلمهم جيدا الأمانة في البحث العلمي ومن هنا ستتأصل هذه القيمة في نفوسهم ونخلق مواطن صالح يراعي ضميره في كل ما يفعل، ثم تطوير الشخصية العلمية للطالب عليه أن يراجع النتائج ويراجع نسبة الخطأ فيها ، ويضرب د. زويل المثل بتركيا التي انتهجت هذا النهج في التعليم وابتعدت عن التلقين وأفسحت مجال البحث العلمي لطلابها، .
أما عن التعليم الجامعي فقال عنه : حان الوقت لإلغاء القبول في الجامعات القائم على سياسة الأعداد ؛ فكليات مثل الطب والعلوم لها سعة محددة ونرى الطلاب بها أكبر من قدرة الكلية على الاستيعاب والحل هو إما تغيير منظومة التعليم أو تطوير البنية الخاصة بالكليات.
أيضا المبالغة في الدرجات العلمية أمر استرعى انتباهي - يتابع زويل - ففي حين كنا نحصل في الماضي على 80% بالكاد كان التعليم متميزا في حين أن الدرجات الآن تخطت المئة بالمئة وهو أمر يخالف منطقية العلم ونجد التعليم يعاني من مشكلات عديدة، كما أن الجامعة ينقصها إعادة الهيبة لها من جديد ليصبح الحرم الجامعي كما كان منبرا للعلم والثقافة والفكر.
وتحدث زويل عن البعثات العلمية إلى أوروبا وأمريكا لكنه انتقد عدم توفير المناخ العلمي الملائم لهؤلاء الباحثين بعد عودتهم من الخارج ليستفيد منهم الوطن و"كأن الاموال التي صرفت عليهم مهدرة" على حد تعبيره نظرا لعدم الاستفادة من علومهم بعد عودتهم، وهكذا فعلت الصين وتايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا، وهي دول حددت اولوياتها بدقة وأعطت كل اهتمامها للتعليم الذذي يعد من قضايا الأمن القومي شأنه شأن الدفاع عن مصر.
وأن ترصد مصر مبلغا كبيرا لتمويل الأبحاث العلمية، لتساعد في الدخل القومي وتساهم في ارتقاء معيشة البشر.
وأورد زويل في ختام حديثه أن هناك كتابا حديثا يقسم العالم إلى ثلاثة أنواع: الأول من حاز على الثقة ويخاف أن يفقدها مثل أمريكا ودول اوروبا، والثاني شعوب تعاني من فقدان الثقة وهي العالم العربي، وشعوب تتطلع نحو المستقبل بثقة وأمل وهي شعوب دول آسيا.
وعلى ذكر الثقة أوضح زويل أنه متفائل دوما بأن مصر تملك الكثير ويمكنها أن تصنع الكثير في المستقبل عبر التعليم ليس فقط الأكاديمي إنما التعليم الذي يزيح التخلف ويرسخ القيم الأخلاقية ويساهم في نهضة الشعوب.
ومن هنا فإن الصراع بين الدين والعلم هو صراع وهمي زائف، فبالعلم والإيمان تبنى الحضارة الإنسانية، وكلما تعمقنا في العلم أدركنا اننا نقطة ملح في عالم شاسع الأرجاء، والدين يحض على العلم وأول رسائل القرآن هي " اقرأ " وهكذا قرن بينهم د.مصطفى محمود في برنامجه الرائع الشهير"العلم والإيمان".
سؤل د. زويل عن كيفية تقدم الأمم وكم يستغرق ذلك ، وأوضح أنه ليس بالعلم وحده تتقدم الأمم فهي منظومة متكاملة للأدب دور فيها وكذلك الفن والدين والفكر، إذا توافرت الإرادة القوية والمشروع القومي الحقيقي الذي يلتف حوله المصريون نستطيع النهوض في خمس سنوات وبعد مرور عشر سنوات يمكننا أن نتواجد على الخريطة العالمية فالعلم عالمي وليس حكرا على بلد واحد.
وعن الإحباط السائد في مصر قال : لا يمكن للشباب أن يصاب بالإحباط لأنه حامل معول التقدم والنهضة في مصر، عليه فقط أن يحدد الصعاب بدقة ويتغلب عليها، فرغم المشاركة العربية البحثية الضئيلة على المستوى العالمي، بدأت تظهر بؤر للتميز في السنوات العشرة الأخيرة أبرزها جامعة الملك عبد الله في السعودية التي تحاول أن تلحق بركب العالمية ولكن ينقصها الطاقات البشرية والعقول الموجودة بمصر، وهكذا في قطر لديهم مدينة علمية متميزة جدا ولكنها ليست للبحث العلمي بل للدراسة الجامعية.
واختتم د.زويل حديثه عن جديده في مسيرته العلمية وكانت براءة اختراع مسجلة مؤخرا وعديد من الأبحاث المنشورة في مجلات علمية مرموقة عن الميكرسكوب رباعي الأبعاد واستخداماته سواء في النانو تكنولوجي أو البيولوجي.